كانت السيدة إلياهو، التي هاجرت من العراق إلى إسرائيل، في المراحل المتقدّمة من الحمل عندما أصيبت في حريق عام 1952. مكثت في المستشفى لفترة طويلة حفاظا على جنينها. في أحد أيام مكوثها في المستشفى، وعندما كانت تحت تأثير تخدير، تمّ توليدها ولكن عندما استردت وعيها علمت أنّ مولودها قد مات، ولم ترَ جثّته. في ولادتها التالية، في المستشفى ذاته، شاهدت طفلا حيّا يبكي، كانت قد ولدته والدته عندما كانت تخضع للتخدير، ولكن قد تم إعطاؤه لامرأة ترتدي ملابس عادية، وليست واحدة من الطاقم الطبي. قيل لوالدته إنّ طفلها مات. حينها أدركت إلياهو، أنّها ليست الوحيدة.
هذه مجرّد قصة واحدة من مئات القصص، التي تظهر في أرشيف جديد فُتح حول قضية اختطاف أطفال اليمن، والتي حدثت في إسرائيل بين عامي 1948-1956.
في هذه الأيام وفي أعقاب ضغوط شعبية استثنائية وعودة قضية أطفال اليمن إلى جدول الأعمال العام في إسرائيل، من المتوقع أن توافق الحكومة على كشف نتائج لجنة التحقيق الرسمية من العام 2001 في شأن قضية اختفاء مئات الأطفال.
القضية
عائلات يمنية لدى قدومها إلى إسرائيل (GPO)
عائلات يمنية لدى قدومها إلى إسرائيل (GPO)
في السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل بدأ الكثير من المهاجرين من دول الشرق الأوسط بالقدوم إلى إسرائيل. أهملت مؤسسات الدولة التي كانت لا تزال في مراحلها الأولى، أكثر من مرة تسجيل السكان. نُقِل الرضّع الذين وُلدوا في تلك السنوات للاستشفاء إما في المخيمات أو في المستشفيات، وقيل لأهلهم إنّهم ماتوا ودُفنوا، ولكن يشكك الكثير من الأهل وآخرين بتلك الادعاءات ويدعون أنّ الأطفال قد أُخِذوا منهم. خلال السنين كُشف عن عدة حالات أُخِذَ الأطفال فيها للتبني دون علم الأهل. وقال بعض الأشخاص من المنظومة أيضًا، مثل أطباء وممرضات، إنّهم يشكّكون أن يكون الأطفال قد أُخِذوا دون إذن.
منذ الستينيات جرت مظاهرات كثيرة شارك فيها عشرات الأزواج من الأهالي الذين طالبوا بمعرفة قصة اختفاء أطفالهم، وخصوصا بعد أن حصل الأطفال على تعليمات للتجنيد إلى الجيش الإسرائيلي. أدت تلك المظاهرات عام 1967 إلى إقامة لجنة التحقيق الأولى في الموضوع. وجدت اللجنة أن معظم الأطفال الذين اختفوا قد ماتوا، اثنان منهما تم تبنّيهما وتم تعريف البقية كـ "مفقدوين".
قررت لجنة فحص أخرى، أقيمت عام 1988، أيضا أنّ معظم الأطفال ماتوا، رغم أنّه في عشرات الحالات لم يتم العثور على توثيق لدفنهم. تم تحديد مصير عشرات آخرين كغير معروف. اعتقد الكثير من الأهالي من أصول يمنية خلال كل تلك السنوات أنّ الأطفال الذين تم اختطافهم، قد بيعوا وتم استخدام الأموال التي دُفعت مقابلهم لصالح الدولة في سنواتها الأولى.
أين اختفى الأطفال؟
عائلة يمنية لدى قدومها الى إسرائيل (GPO)
عائلة يمنية لدى قدومها الى إسرائيل (GPO)
بحسب كلام جمعيات وشخصيات عامة كثيرة بحثت في القضية وحصلت على شهادات من الكثير من الأهالي الذين مروا بهذه التجربة المروّعة، دون الحصول على إجابات من السلطات، فإن أكثر من 1,700 طفل قد اختفوا حتى عام 1952. نحو ثلثي الأطفال الذين اختفوا كانوا من أصول يمنية، وغالبية الثلث المتبقي من الأطفال كانوا يهودا هاجروا من دول في الشرق الأوسط، ونحو 30 طفلا ممن اختفوا كانوا من أصول أوروبية أو أمريكية. بسبب حساسية الموضوع للأطفال والأهالي، تم الكشف عن بعض الحالات فقط بعد عشرات السنين من الظاهرة، وبعض الأسر غير مستعد للظهور في العلن.
كانت هناك 3 نظريات رئيسية بخصوص مصير الأطفال:
تم اختطاف الأطفال بشكل مؤسسي، من أجل توفير أطفال لأزواج أشكناز وضيوف من خارج البلاد. فحصت لجان عديدة هذا الاعتقاد ولكنه ألغيَ، وهو أيضًا غير مقبول من قبل غالبية من يطالبون بإعادة التحقيق في القضية.
تعتقد نظرية أخرى أنّه حدثت فعلا حالات تبني غير قانونية دون علم الأهل، ولكنها ليست خطة مؤسسية وإنما ظاهرة أديرت في قنوات موازية، بفضل غض الطرف واللامبالاة المؤسسية، ومن خلال أجواء ثقافية اعتبرت حالات التبني هذه مساعدة للطفل الذي جاء من أسرة متخلفة.
وفقا لنظرية ثالثة لم تُتخذ أية خطوة أبدا وقد مات معظم الأطفال، باستثناء حالات قليلة حدثت فيها أخطاء بشرية وبلبلة. هذا الاعتقاد مقبول من قبل كل لجان التحقيق التي أجريت حتى الآن. وجدت لجنة التحقيق الرسمية 69 حالة لم يتم فيها العثور على أدلة أنّ الأطفال قد ماتوا وبحسبها فهي تطرح إمكانية "التسليم بهدف التبنّي في بعض الأحيان".
نهاية الصمت والعار
عائلات يهودية يمنية لدى وصولها الى إسرائيل (GPO)
عائلات يهودية يمنية لدى وصولها الى إسرائيل (GPO)
كما يبدو لا يمكن التخلي عن هذه القصة إلى الأبد. إنّ مشاعر العار والذنب التي أدت إلى الصمت خلال سنوات طويلة، آخذة في التلاشي. يتطرق الأولاد والأحفاد إلى القصص، يوثّقون أهاليهم وأجدادهم.
بل إن يوم الوعي السنوي لاختطاف أطفال اليمن ينشئ مجتمعا من عشرات أبناء الأسر والمختطفين.
وهناك تطرق قانوني آخر. حتى الآن لم تقدّم أية أسرة دعوى قضائية ضدّ دولة إسرائيل أو مؤسساتها حول اختطاف الأطفال، أو حتى بسبب دفنهم سرّا. ولكن هناك اليوم أسر تعيد النظر في تقديم دعاوى قضائية في إسرائيل. مؤخرًا توجهت شخصيات عامة، إلى المستشار القضائي للحكومة طالبة فتح الأرشيفات والبروتوكولات المتعلقة بالقضية. إذا رُفِض طلبها، فهي تعتزم تقديم التماس إلى المحكمة العليا.
إن اختبار استجابة المؤسسة لفتح الأرشيف سيكون مثيرا للاهتمام، حيث إنّ الأرشيف، الذي يعرض أدلة على اختطاف ممنهج للأطفال، هو لائحة اتهام خطيرة ضد الدولة. في تموز 2016، عيّن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الوزير من حزبه، تساحي هنغبي، من أجل فحص موضوع إزالة الحصانة عن البروتوكولات والوثائق السرية في القضية. بعد فترة قصيرة من بداية الفحص، قال هنغبي إنّ مئات الأطفال قد سُرِقوا عمدًا وفي مرحلة متأخرة أكثر أوضح أنّ ليس هناك أي سبب لمنع الجمهور من رؤية المواد بخصوص هذه القضية وسيوصي الحكومة بالكشف عنها.
إذا اعترفت دولة إسرائيل بقضية اختطاف الأطفال الشرقيين من قبل مؤسسة أشكنازية، سيكون هناك قبول لرواية شرقية لا يمكن تجاهلها أو نفيها. جريمة تأسست على عنصرية واضحة. وستغيّر هذه القصة موازين القوى تماما.